الأربعاء، 17 ديسمبر 2014

فقه أسماء الله الحسنى(القدوس)

1⃣
فقه الحسن في اسم الله《 القدوس》

ومن أسمائه الحسنى عزَّ وجلَّ: القدوس.
ورد اسمه سبحانه《القدوس》في القرآن الكريم مرتين
1- قال الله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23)} ... [الحشر: 23].
2- وقال الله تعالى: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1)} [الجمعة: 1].

وجاء في السنة دعاؤه ﷺ  به في ركوعه وسجوده في الصلاة
عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في ركوعه وسجوده: «سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ، رَبُّ الْمَلائِكَةِ وَالرُّوحِ» أخرجه مسلم ، وكان النبي - ﷺ - يكثر من ذكر هذا الاسم في ركوعه وسجوده.

الله تبارك وتعالى هو الملك القدوس:
[ الطاهر] من العيوب، المنزه عن الأولاد والأنداد والنقائص، الموصوف بصفات الكمال، التي وصف بها نفسه في كتابه، أو وصفه به رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فله الأسماء الحسنى، والصفات العلا
وهو المنزه من كل شر ونقص وعيب
وهو (الطاهر) من كل عيب المنزه عما لا يليق به.

وهو سبحانه الملك القدوس، الممدوح بالفضائل والمحاسن، المنزه عن النقائص في ذاته وأسمائه وصفاته، وأفعاله وأقواله :
كما قال سبحانه: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا (87)} [النساء: 87].

وأفعاله عزَّ وجلَّ منزهة عن الخطأ والنسيان، وعن الآفات والعيوب
كما قال سبحانه: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115)} [الأنعام: 115].

قال تعالى: { وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ }
⬅ أي: ننزهك ونبرئك مما يضيفه إليك أهل الشرك بك، ونصلي لك، ونقدس لك، ننسبك إلى ما هو من صفاتك من الطهارة من الأدناس، وما أضاف إليك أهل الكفر بك.

فسبحان المك القدوس، ذو الفضائل والمحاسن، المنزه عن النقائص والعيوب.

هو الملك القدوس الذي تعالى عن صفات الخلق ، لأن الله ليس كمثله شيء : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ{1} اللَّهُ الصَّمَدُ{2} لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ{3} وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ{4} [ الإخلاص/١-٤].

هو الملك القدوس الذي تقدست عن الحاجات ذاته ، وتنزهت عن النقص والآفات صفاته.

هو القدوس الذي
تقدس عن كل مكان يحيط به ، وتقدس عن كل زمان يُبْليه.

هو القدوس الذي قدس نفوس الأبرار عن المعاصي ، وقدس قلوب أوليائه من كل ما سواه.

فسبحان الملك القدوس الذي قدس نفوس أوليائه عن السكون الى المألوفات والشهوات، وطهر نفوس العابدين عن حب الدنيا ، وطهر قلوب العارفين من كل ما سواه:
{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ } [ الجمعة/٢].

موسوعة فقه القلوب

جامعة الفقه الإسلامي العالمية في ضوء القرآن والسنة

2⃣
فقه التعبد لله عز وحل باسمه《القدوس》

اعلم وفقنا الله وإياك لما يحبه ويرضاه أنه يجب على العبد أن يقدس ربه، فيصفه بما وصف به نفسه، ووصفه به رسوله ﷺ من الأسماء والصفات ، وينفي عنه ما نفاه عن نفسه ، أو نفاه عنه رسوله ﷺ مما لا يليق بجلاله على حد قوله عز وجل:
{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ } [الشورى/ ١١].

فقدِّس نفسك بالتوحيد والإيمان، وطيِّبها بالذكر والحمد والشكر لربك، وزكِّها بالأعمال الصالحة والأخلاق الحسنة تكن كالملائكة في التسبيح والتقديس :
{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [البقرة/ ٣٠].

وتعبَّد لربك بصفة الطهارة علماً وعملاً ، فَتَطهر من المعاصي باجتنابها فهو أفضل لك عند ربك، وأيسر مؤنة من طهور التوبة :
{ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ{1} الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ{2} وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ{3} [ المؤمنون/١-٣].

وطهر نفسك من الذنوب والعيوب ومتابعة الشهوات ، وطهر لسانك عن الغيبة والنميمة وفاحش القول وما لا يعنيك ، وطهر قلبك من الرياء والالتفات لما سواه ، وطهر جوارحك عن المعاصي ، وطهر أوقاتك عن المخالفات ، وطهر مالك عن الحرام والشبهات :
{ وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ } [ فاطر/١٨].

واعلم أن من قدس نفسه بمعرفة الله لم يذل نفسه لغير الله.

فطهر نفسك من كل ما يسخط ربك عليك , وزكها بكل ما يرضيه عنك يأذن لك أن تكون مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين :
{ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً{69} ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ عَلِيماً{70} [ النساء/٦٩-٧٠]. 

وإذا ابتليت بمواقعة شيء من المعاصي فبادر إلى التوبة منها:
{ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ } [البقرة/٢٢٢].

ومتى عملت عملاً صالحاً فأخلصه لله وطهره من الشوائب لتستوجب موعوده ، وتفوز بقبوله :
{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَ
وْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [النحل/ ٩٧].

وطهِّر رحمك الله قلبك من كل ما يدنسه بالتوبة النصوح، وطهر جسدك من الدرن والوسخ ومايُستقذر، وطهر ثيابك من الرجس والقذر، وطيب بدنك بالطيب والمسك، وطهره بالوضوء والغسل:
{ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ{1} قُمْ فَأَنذِرْ{2} وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ{3} وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ{4} وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ{5} وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ{6} وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ{7} [ المدثر/١-٧].

وطهِّر بطنك من الحرام، وطهِّر لسانك عن الآثام ، وطهِّر قلبك عن الأصنام :
{وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } [ الإسراء/٣٦].

واعلم أن الطهارة تنقسم إلى ما انقسم إليه المتطهَّر منه وهو الرجس.

والرجس ضربان :
الأول : رجس باطن في القلب كالشرك والنفاق ، والشح والبخل ، والحسد والجبن ، والكذب والظلم وغير ذلك من مساوئ الأخلاق والذنوب الخفية:
{وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ } [ الحجرات/٧].
↩فهذا جاهد نفسك على التخلص منه، واضرع إلى ربك ليخلصك منه، وبادر إلى التطهر منه بالتوبة النصوح ، والله يتوب عليك :
{إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً } [النساء/ ١٧].

الثاني: رجس ظاهر :⬅ وهو ضربان :    
أحدهما : عمل ظاهر يصدر من الجوارح بعلم القلب ، وإرادة الإنسان باختياره كالمعاصي والمحرمات القاصرة والمتعدية.
⤴فهذا طهوره من جهة القلب بالتوبة منه ، والعزم على تركه ، وإتْباع السيئة بالحسنة التي تمحها، وإشغال الجوارح بالطاعات بدل المعاصي، فذلك أبلغ في الطهارة:
{ وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ{114} وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ{115} [ هود/١١٤-١١٥].

الثاني : ما يفعله العبد مكرهاً من المعاصي التي تتعلق به وحده ولا تتعدى إلى غيره .
⤴فهذا طهوره لزوم كراهته في القلب ، والتخلص منه متى زال الإكراه ، مع الاستغفار :
{مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [ النحل/ ١٠٦].

واعلم أن كل طاعة لله ورسوله طهرة وزكاء وبركة يحس المؤمن بحلاوتها في الدنيا والآخرة ، وكل معصية لله ورسوله نجاسة وخسارة وحسرة يحس الإنسان بمرارتها في الدنيا والآخرة :
{ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا{7} فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا{8} قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا{9} وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا{10} [ الشمس/٧-١٠].

فاحمد الله أنْ جعلك من المؤمنين ، واسأله أن يطهر قلبك وبدنك من كل دنس ، ويزكيك بالإيمان والتقوى ، وصل وسلم على من بعثه الله رحمة للعالمين:
{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ } [الجمعة/ ٢].
{ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ } [الممتحنة/٤].
{رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَاراً } [نوح/ ٢٨].
« اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنَ الخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبيَضُ مِنَ الدَّنَسِ ، اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَايَ بِالمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ » متفق عليه.

اللهم طهر قلوبنا من النفاق ، وأعمالنا من الرياء ، وألسنتنا من الكذب ، وجوارحنا من الفواحش والآثام ، وأعيننا من الخيانة ، إنك تعلم خائنة الأعين  وما تخفي الصدور.

كتاب التوحيد(فقه أسماء الله الحسنى في ضوء القرآن والسنة)

جامعة الفقه الإسلامي العالمية في ضوء القرآن والسنة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

فقه أسماء الله الحسنى

   اسم الله القدوس

للشيخ محمد بن إبراهيم التويجري
      حفظه الله

http://safeshare.tv/w/VEUUSDhjsq

جامعة الفقه الإسلامي العالمية في ضوء القرآن والسنة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق