الخميس، 18 ديسمبر 2014

فقه أسماء الله الحسنى(الله-الحميد)

1⃣

☀فقه عظمة اسم ( الله ) جل جلاله☀

♦من أسمائه الحسنى عزَّ وجلَّ: الله، والإله.

⚡قال الله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2)} [آل عمران: 2].

⚡وقال الله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22)} [الحشر: 22].

⚡وقال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84)} [الزخرف: 84].

⚡وقال الله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى (8)} [طه: 8].

الله تبارك وتعالى هو الإله الحق، واسم (الله) عزَّ وجلَّ دال على جميع الأسماء الحسنى، والصفات العلا، مستلزم لجميع الأسماء الحسنى، دال عليها بالإجمال.

ولهذا يضيف الله تعالى سائر الأسماء الحسنى إلى هذا الاسم العظيم كما قال سبحانه:
⚡{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)} ... [الأعراف: 180].

⚡وقال سبحانه: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23)} ... [الحشر: 23].

فالله سبحانه هو الإله الحق، الذي يجب أن تكون جميع أنواع العبادة والطاعة والتأله له وحده لا شريك له، لكمال ذاته، وكمال أسمائه، وكمال صفاته، وكمال أفعاله، وعظيم نعمه، وجميل إحسانه.

فهو سبحانه الإله الحق، ودينه هو الحق، وعبادته هي الحق، وكل ما سوى الله باطل، وعبادته باطلة، لأن كل ما سوى الله مخلوق ناقص مدبر، عبد مملوك فقير من جميع الوجوه، فلم يستحق شيئاً من أنواع العبادة.

والله عزَّ وجلَّ هو المألوه المعبود، المستحق لإفراده بالعبادة، لما اتصف به من صفات الكمال والجلال والجمال.

والأسماء الحسنى تفصيل وتبيين لصفات الإله، الذي اشتق منه اسم (الله).
واسم (الله) دال على كونه مألوهاً معبوداً، تألهه الخلائق محبةً وتعظيماً، وخشوعاً وخضوعاً، وتفزع إليه في الحوائج والنوائب، وذلك مستلزم لكمال ربوبيته ورحمته، المتضمن لكمال الملك والحمد.

وذلك مستلزم لجميع صفات كماله سبحانه وتعالى.

فصفات الجلال والجمال أخص باسم (الله).

وصفات الخلق والفعل، والقدرة والقوة، ونفوذ المشيئة، والتفرد بالنفع والضر، والعطاء والمنع، وتدبير أمر الخلائق أخص باسم (الرب).

وصفات الإحسان والإنعام، والجود والبر، واللطف والحنان، والمنة والرأفة أخص باسم (الرحمن).

واسم (الله) ما أطلق على غير الله وحده، فلا يوجد أحد اسمه الله سوى الله وحده:
⚡{رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65)} [مريم: 65].

⚡وقال الله تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (110)} ... [الإسراء: 110].

فهذان الاسمان (الله، والرحمن) أعظم الأسماء،
واسم الله أعظم من اسم الرحمن، لأن الله قدَّمه في الذكر،
ولأن اسم (الله) يدل على كمال الرحمة، وكمال القهر والغلبة، وكمال العظمة والعزة،
واسم (الرحمن) يدل على كمال الرحمة، ولا يدل على كمال القهر والغلبة، والعظمة والعزة،
⏪ فثبت أن اسم الله تعالى أعظم.

موسوعة فقه القلوب

جامعة الفقه الإسلامي العالمية في ضوء القرآن والسنة

2⃣
☀إثبات اﻷلوهية تحقيق التعظيم لله ☀

والله عزَّ وجلَّ هو المستحق للعبادة، لأنه تعالى هو المنعم بجميع النعم أصولها وفروعها، وكل موجود فإنما حصل بإيجاد الله له، وما حصل للعباد من أقسام النعم لم يحصل إلا من الله، فغاية الإنعام من الله، والعبادة غاية التعظيم، وغاية التعظيم لا تليق إلا بمن صدرت عنه غاية الإنعام، وهو الله عزَّ وجلَّ، فثبت أن المستحق للعبادة ليس إلا الله تعالى.

والله سبحانه هو الإله الحق الذي سكنت إليه العقول، واطمأنت بذكره القلوب، والأرواح لا تعرج إلا بمعرفته، فهو الإله الحق الكامل لذاته، وما سوى الحق فهو ناقص لذاته، وإذا كان الكامل محبوباً لذاته، وثبت أن الله كامل لذاته، وجب كونه محبوباً لذاته، مستحقاً للعبادة وحده دون سواه:
⚡{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)} [الرعد: 28].

فيا سعادة من وصل إلى ساحل بحر معرفته، ورأى عظمة ذاته وأسمائه وصفاته، وأبصر جماله وجلاله وكماله، وشاهد آلاءه وإحسانه وأفعاله.

فمجَّده بلسانه، وعظَّمه في قلبه، وشكره بجوارحه، وتلذَّذ بعبادته وطاعته.
والله سبحانه هو النور، وحجابه النور، احتجب عن العقول بشدة ظهوره، واختفى عنها بكمال نوره.

عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هل رأيت ربك؟ قال:
«نُورٌ أنَّى أرَاهُ» أخرجه مسلم .

وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ربه عزَّ وجلَّ: «حِجَابُهُ النُّورُ، لَوْ كَشَفَهُ لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ» أخرجه مسلم .

والله سبحانه هو المألوه المعبود المحبوب، والعباد مولهون مولعون بالتضرع إليه في جميع الأحوال،
فالإنسان إذا وقع في بلاء عظيم وآفة قوية،
⬅فهنالك ينسى كل شيء إلا الله تعالى، فيتوجه إليه،
فإذا تخلص من ذلك البلاء، وعاد إلى منازل الآلاء والنعماء،
⬅أشرك مع الله غيره، ونسب ذلك الخلاص إلى الأسباب وهذا متناقض،
لأن الله تعالى هو الذي يفرج الكربات وقت البلاء، وينعم على العباد في وقت الرخاء، فيجب الرجوع إليه في جميع الأحوال، والفزع إليه عند الضرورات، وعند الراحات، وعند الشدائد.

والله عزَّ وجلَّ هو المحسن إلى عباده في جميع الأحوال، والمحسن محبوب مرجوع إليه وحده في كل الأوقات:
⚡{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22)} [البقرة: 21، 22].

والله سبحانه هو المؤمن، الذي أمن خلقه من أن يظلمهم، والذي خلق الأمن، ومنَّ به على من شاء من عباده، والذي تفزع إليه الخلائق عند النوائب، المجير لكل الخلائق من كل المضار، المنعم بصنوف النعم:
⚡{وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53)} [النحل: 53].

وهو سبحانه المتفرد بالنعم، وكشف النقم، وإعطاء الحسنات، ومغفرة السيئات، وكشف الكربات، وستر الزلات كما قال سبحانه:
⚡{وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107)} [يونس: 107].

فتبارك الله رب العالمين ..
وتبارك الله أحسن الخالقين ..
والحمد لله رب العالمين.

موسوعة فقه القلوب

جامعة الفقه الإسلامي العالمية في ضوء القرآن والسنة

3⃣
    فقه الحسن في اسم الله (الحميد)

ومن أسمائه الحسنى عزَّ وجلَّ:⬅ الحميد.

⚡قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15)} [فاطر: 15].

⚡وقال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28)} ... [الشورى: 28].

الله تبارك وتعالى هو الغني الحميد في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، فله من الأسماء أحسنها، ومن الصفات أعلاها، وأفعاله عزَّ وجلَّ كلها دائرة بين العدل والإحسان .. وصفاته دائرة بين الجلال والجمال.

فهو سبحانه الحميد الذي يستحق أن يحمد، لأنه بدأ فأوجد، وخلق ورزق، الذي يعفو ويصفح، ويغفر ويتوب، وينعم ويحسن، لا إله إلا هو، ولا رب سواه.

وهو سبحانه الحميد، الذي حمد نفسه، وأثنى على ذاته، وعلَّم خلقه كيف يحمدونه فقال سبحانه:
⚡{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)} [الفاتحة: 2].

وهو سبحانه المحمود الذي يستحق الحمد، المحمود على جميع أقواله وأفعاله .. وعلى دينه وشرعه .. وعلى قضائه وقدره.

وهو سبحانه الولي الحميد، الغني الحميد، المحمود عند خلقه بما أولاهم من نعمه، وبسط لهم من فضله، المحمود بكل لسان، وعلى كل حال، الذي استحق الحمد بفعاله.

وهو سبحانه الحكيم الحميد، الذي يُّحمد على السراء والضراء، وفي الشدة والرخاء، فهو الحكيم الذي لا يجري في أفعاله الخطأ والنسيان، ولا يعترضه الخطأ، الحميد المستحق للحمد على الإطلاق، الذي له جميع المحامد بأسرها، وله الحمد على كل حال، وفي كل زمان، وفي كل مكان.

وهو سبحانه الولي الحميد، الذي والى بين منحه ونعمه، وتابع بين آلائه ومننه، وأنعم على الخلائق بنعم لا تعد ولا تحصى:
⚡{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18)} [النحل: 18].

فله الحمد على كماله ..
وله الحمد على جماله ..
وله الحمد على جلاله ..
وله الحمد على آلائه وإحسانه.
وله الحمد كثيراً، كما ينعم كثيراً، ويعطي كثيراً، ويعفو كثيراً، حمداً يوافي نعمه، ويكافي مزيده.
وله الحمد على العطاء ..
وله الحمد على منع البلاء ..
وله الحمد حيث أنعم علي َّ وعلى غيري ..
وله الحمد على ما أعطاني من الخير ..
وله الحمد على ما صرف عني من الشر ..
وله الحمد حيث لم يقطع عني رزقه مع كثرة ما أعصيه:
⚡{فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (36)} [الجاثية: 36].

وهو سبحانه الحميد الذي له من الصفات وأسباب الحمد ما يقتضي أن يكون محموداً، وإن لم يحمده غيره فهو حميد في نفسه.

والحمد كله لله رب العالمين، وحمده سبحانه نوعان:

1⃣حمد على إحسانه إلى عباده في الدنيا والآخرة.
2⃣وحمد لما يستحقه هو بنفسه من نعوت كماله، وصفات جماله وجلاله،
◀ فكل ما يحمد به الخلق فهو من الخالق، وهو أحق من كل محمود بالحمد.

فالله عزَّ وجلَّ هو المحمود على ما خلقه .. وما أمر به، ونهى عنه ..
وهو المحمود على طاعات العباد ومعاصيهم .. وعلى إيمانهم وكفرهم ..
وهو المحمود على خلق الأبرار والفجار .. والملائكة والشياطين .. وعلى خلق الرسل وأعدائهم ..
وهو المحمود على عدله في أعدائه .. كما هو المحمود على فضله وإنعامه على أوليائه.

وهو سبحانه الحميد، الذي كل ذرة من ذرات الكون شاهدة بحمده، وشاهدة بمجده:
⚡{تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44)} ... [الإسراء: 44].

وهو سبحانه الملك الذي له الملك، وقد آتى من الملك بعض خلقه، وله الحمد، وقد آتى من الحمد ما شاء من عباده، وكما أن ملك المخلوق داخل في ملكه سبحانه، فحمده أيضاً داخل في حمده، فما من محمود يحمد على شيء إلا والله المحمود عليه بالذات والأولوية.

فهو سبحانه المحمود على كل حال، وعلى كل شيء، أكمل حمد وأعظمه.

والملك والحمد في حق الله متلازمان،
◀فكل ما شمله ملكه شمله حمده، وكما يستحيل خروج شيء من الموجودات عن ملكه وقدرته، يستحيل خروجها عن حمده وحكمته.

ولهذا يحمد الله عزَّ وجلَّ نفسه عند خلقه وأمره، فهو المحمود على كل ما خلقه وأمر به حمد شكر، وحمد ثناء كما قال سبحانه:
⚡{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1)} [الأنعام: 1].

⚡وقال عزَّ وجلَّ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1)} [الكهف: 1].

موسوعة فقه القلوب

جامعة الفقه الإسلامي العالمية في ضوء القرآن والسنة

4⃣
الحمد أعظم الثناء على الرب

الحمد أوسع الصفات، وأعم المدائح، وأفضل ما يثني به العبد على ربه ومولاه العليم الخبير.

⚡قال الله تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا (58) [الفرقان: 58].

وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأُ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلآنِ «أوْ تَمْلأ» مَا بَيْنَ السموات وَالأَرْضِ» أخرجه مسلم .

والله سبحانه محمود بذاته ولو لم يقم بحمده أحد من البشر، وهو المحمود في هذا الوجود الذي يسبح بحمده، ومحمود من شتى الخلائق، ولو شذ البشر عن حمده:
⚡{فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ (38)} [فصلت: 38].

وهو سبحانه الحميد، الذي له الكمال المطلق، والإحسان كله منه، فهو أحق بكل حمد، وبكل حب، وهو جل جلاله أهل أن يُّحمد، وأن يُعبد، وأن يُطاع، وأهل أن يُّحب لذاته وأسمائه وصفاته، وأفعاله وإحسانه.

فلله عزَّ وجلَّ الحمد على مجده ..
وله الحمد على عظمته وكبريائه .. وله الحمد على عزته وقدرته ..
وله الحمد على غناه .. وجميل إحسانه ..
وله الحمد على توليه المؤمنين بنصرته ورعايته لهم:
⚡{وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (70)} [القصص: 70].

فسبحان العزيز الحميد، الذي له القدرة التامة، والمشيءة النافذة، والعلم المحيط، والسمع الذي وسع الأصوات كلها، والبصر الذي أحاط بجميع المبصرات، والرحمة التي وسعت جميع المخلوقات.

وسبحان الملك الذي له الملك الأعلى الذي لا يخرج عنه ذرة من الذرات، وله الغنى التام المطلق من جميع الجهات، وله العزة الغالبة القاهرة لجميع المخلوقات.

وسبحان الحكيم الذي له الحكمة البالغة المشهودة آثارها في جميع الكائنات، وله الكلمات التامات النافذات، التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من جميع البريات.

ومن أعظم نعم الله علينا، وما استوجب حمده علينا، أن جعلنا عبيداً له خاصة، ولم يجعلنا عبيداً لإله باطل من حجر أوخشب، لا يسمع أصواتنا، ولا يبصر أفعالنا، ولا يعلم أحوالنا، ولا يملك لعابديه ولا لغيرهم نفعاً ولا ضراً، ولا يتكلم ولا يأمر ولا ينهى.

فهذا حمد الرب بأسمائه وصفاته:
⚡{فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (36)} [الجاثية: 36].

وأما حمده سبحانه على النعم والآلاء، فإن آلاء الله ونعمه مشهودة للخلق كلهم، برهم وفاجرهم، مؤمنهم وكافرهم، من جزيل مواهبه، وسعة عطاياه، وكريم أياديه، وسعة رحمته لهم، وبره ولطفه بهم.

اتخذ لعباده داراً وملأها من جميع الخيرات، وأرسل إليهم الرسل يدعونهم إليها، وفتح لهم أبواب الهداية، ويسر لهم كيفية الوصول إليها، وأماتهم على ذلك.

وذلك كله يستوجب حمده وشكره على آلائه وإحسانه وإنعامه، فلله الحمد كله على ما أنعم به من غذاء الأبدان، وله الحمد على ما تفضل به من غذاء القلوب والأرواح، وله الحمد على ما أعطى، وعلى ما منع، وعلى ما قدم وأخر، وعلى ما قضى وقدر، وعلى ما شرع وأمر.

وكمال حمده سبحانه يوجب ألا يُنسب إليه شر ولا سوء ولا نقص، لا في أسمائه، ولا في صفاته، ولا في أفعاله.

والعبد إذا فعل الشر والسوء المنهي عنهما، فقد فعل الشر والسوء بإذن الله، ولله في ذلك حكمة بالغة يحمد عليها، وإن كان وقوعه من العبد عيباً وشراً، وهو سبحانه بهذا الجعل قد وضع الشيء في موضعه.

فسبحان الحكيم الحميد الذي له الحمد في الأولى والآخرة:
«اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، مِلْءُ السموات وَمِلْءُ الأَرْضِ، وَمَا بَيْنَهُمَا، وَمِلْءُ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، أهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ، لا مَانِعَ لِمَا أعْطَيْتَ، وَلا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ» أخرجه مسلم .

موسوعة فقه القلوب

جامعة الفقه الإسلامي العالمية في ضوء القرآن والسنة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق