الأربعاء، 10 ديسمبر 2014

فقه الوحي الإلهي من صحيح البخاري(حديث عائشة في بدء الوحي)

1⃣
فقه حديث بدء الوحي

♦راوية الحديث :-
⏪هي أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، عقد عليها النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة قبل هجرته، وعمرها ست سنوات، ودخل عليها بالمدينة في شوّال من السنة الثانية وعمرها تسع سنوات.
ولها مناقب عظيمة، فمن مناقبها أنها حبيبة المصطفى - صلى الله عليه وسلم -
وأن الوحي كان ينزل عليه في فراشها،
ونزلت براءتها من السماء،
وتوفي النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجرها، ودفن في حجرتها،
وكانت من الستة المكثرين من رواية الحديث، وهم أبو هريرة وعائشة وابن عباس وعبد الله بن عمرو بن العاص وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك رضي الله عنهم.
روت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ألفاً ومائتين وعشرة أحاديث في حين أنها لم تتجاوز الثامنة عشرة عند وفاته - صلى الله عليه وسلم -.
وكانت مرجعاً للناس في الفقه والفتيا والكتاب والسنة، كما كانت موضعٍ تقدير الخلفاء،

توفيت في رمضان سنة خمس وخمسين للهجرة مخلّفة بعدها تراثاً إسلامياً ضخماً يُعَدُّ مصدراً من مصادر التشريع الإِسلامي.

فقه معنى الحديث:
تُحدثنا السيدة عائشة رضي الله عنها " أن الحارث بن هشام " ابن المغيرة الخزومي شقيق أبي جهل، أسلم رضي الله عنه يوم الفتح، وأصبح من فضلاء الصحابة، خلّف اثنين وثلاثين ولداً منهم عبد الرحمن بن الحارث، أحد الفقهاء السبعة، وحضر اليرموك واستشهد فيها. "

سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله! كيف يأتيك الوحي؟ ❓❗
" أي أن الحارث ابن هشام رضي الله عنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا السؤال
⏪ليتعرّف على كيفية نزول الوحى،
لأن الوحي هو مصدر هذا الدين،
ولأن التعرف عليه والتأكد منه مما يقوِّي الإيمان ويزيد في اليقين.

أما النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد عُني بسؤاله هذا لأهميته،
وأجابه عنه " فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
" أحياناً يأتيني مثل صلصلة الجرس "
⏪أي أن للوحي صوراً مختلفةً، ومن هذه الصور أنه يأتي " في بعض الأوقات " على شكل صوت قوي غريب مبهم، يشبه دقات الجرس.
⏪لو سمعه الإِنسان العادي لم يفهم منه شيئاً، ولكن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعي هذا الصوت، ويفهم معناه، فور انتهائه. لأنّ الله تعالى الذي علَّم آدم الأسماء كلها قد هداه إلى معناه، وأقدره على فهمه.

أما مصدر هذه الصلصلة وصوت من هي؟ فالظاهر أنها صوت المَلَك الموكل بالوحي، لما جاء
في رواية أخرى للبخاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال " يأتي الملك أحياناً في مثل صلصلة الجرس " أي يأتي الملك بالوحي أحياناً، فيكلم النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بصوت مثل صلصلة الجرس .

وقد كان هذا النوع من الوحي يأتي بأصوات مختلفة، وربما أَتى كدويّ النحل ، وكان الصحابة رضي الله عنهم يسمعونه أحياناً، فقد روى عمر في حديثه أنه - صلى الله عليه وسلم - إِذا نزل عليه الوحي يُسْمَعُ عنده كدويّ النحل، أخرجه الترمذي، والنُسائي والحاكم والبيهقي وأبو نعيم بإسناد جيد،

قال القاضي عياض: وما جاء مثل ذلك يجري على ظاهره، وكيفيّة ذلك مما لا يعلّمه إلاّ الله سبحانه، ومن أطلعه الله على شيءٍ من ذلك من ملائكته ورسله، قال - صلى الله عليه وسلم -
" وهو أشده على " أيْ والوحي على هذه الصورة أشد أنواع الوحي على نفس النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذلك كما أفاده الحافظ أمر" واضح " لأن الفهم من كلام مثل صلصلة الجرس، أَشكل " وأصعب " من الفهم من الكلام العادي بالتخاطب المعهود.

قال - صلى الله عليه وسلم - " فيفصِمُ عنّي وقد وعيت عنه ما قال " أي فلا يكاد ينتهي هذا الصوت المبهم الشبيه بالصلصلة وينقطع الإرسال إلا وقد فهِمْتُ ما يعنيه، وماذا قال فيه، لأن الله الذي علم آدم الأسماء كلها قد هدى نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وأقدره ومكّنه من فهم هذه الصلصلة،

ثم قال " وأحياناً يتمثل لي الملك رجلاً " أي وفي بعض الأوقات يصل إليَّ الوحي عن طريق الالتقاء الشخصي بالمَلَكِ الذي يحمله، فيأتي الملك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في صورة إِنسان من البشر، ويراه النبي - صلى الله عليه وسلم - عياناً، ويكلمه ويسمع منه كلاماً واضحاً جليًّا، ويلتقي به حقيقةً لا خيالا.ً

قال ابن خلدون: وفي هذه الحالة ينتقل الملك من الروحانية المحضة إلى الصورة البشرية، وكان غالباً ما يأتي على صورة دحية الكلبي، أوسم العرب،
ولا غرابة في ذلك، فإن الملائكة تتشكل كيف شاءت، لأنّها أجسام نورانية لطيفة قادرة بإذن الله على التشكل بأشكال مختلفة، إلاّ أنها لا تتشكل إلاّ بالصور الشريفة.

والملك كما يقول السيد رشيد رضا: قد منحه الله تعالى قوة التصرف في مادته وصورته،
فالملائكة تكبر وتصغر كيف شاءت بأقدار الله تعالى لها على ذلك.

" فيكلمني فأعي ما يقول " أي فيبلغنى ذلك الملك الوحْي الذي جاء به من عند الله تعالى بكلام صريح واضح، فأفهمه في الحال، وهو
⏪معنى قوله: " فأعي ما
يقول " لأن المضارع المقترن بالفاء يدل على الحال.

منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري

جامعة الفقه الإسلامي العالمية في ضوء القرآن والسنة

2⃣
���� فقه طرائق نزول الوحي ����

��"قالت عائشة رضي الله عنها: ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه" ↩أي فينقطع عنه

��" وإن جبينه ليتفصد عرقاً "↩ أي يسيل العرق من جبينه بغزارة شديدة، كما يسيل الدم من العِرْقِ المفصود.
⏪بسبب ما يكابده من شدة الكرب والمعاناة، وما يبذله من جهد أثناء نزول الوحي عليه، وقد وردت في وصف ما يعانيه النبي - صلى الله عليه وسلم - عند نزول الوحي أحاديث كثيرة،

��ففي الحديث الصحيح أنه - صلى الله عليه وسلم - كانت تأخذه عند الوحي الرحضاء " أي يتقاطر منه مثل عرق الحمى "
��وفي حديث عبادة بن الصامت " كان نبي الله إذا أنزل عليه كرب تربد وجهه "
��وهذه الشدة التي يعانيها مصداق قوله تعالى
�� {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} أي ثقيلاً عند تلقيه وحياً، والالتزام به عملاً ولكن هذه المشقة تهون وتزول متى تكرر نزول الوحي، فتذهب متاعبه ومشقته، وتبقى حلاوته وعذوبته. كما أفاده فضيلة الأستاذ الشعراوي في فتاويه والله أعلم.

��ويستفاد من الحديث ما يأتي:��

��أولاً: تنوع الوحي إلى أنواع مختلفة،
⏪فمن أنواعه: ����

��أن يسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - صوتاً مثل صوت الجرس
��أو دويّ النحل
��ومنها التقاء الملك بالنبي - صلى الله عليه وسلم - متمثلاً في صورة إنسان من البشر يبلغه عن الله عز وجل ما شاء الله أن يبلغه له من أمر أو نهي أو خبر أو بشارة أو نذارة أو غيرها.
��وقد يلتقي به في سمع من الصحابة فيسأله ويُجيبُهُ ثم يعرفهم به - صلى الله عليه وسلم - بقوله: " هذا جبريل جاء يعلمكم أمر دينكم " كما في حديث جبريل المشهور.

��ثانياً: بيان ثقل الوحي وشدته على النبي - صلى الله عليه وسلم - سيما ما كان منه مثل صلصلة الجرس.

��ثالثاً: إثبات وجود الملائكة وقدرتهم على التشكل بأشكال مختلفة والمطابقة: في قوله - صلى الله عليه وسلم -:
↩" أحياناً، وأحياناً " فإنّه يدل على أن للوحي صوراً مختلفة.

��منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري ��

�� جامعة الفقه الإسلامي العالمية في ضوء القرآن والسنة ��

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق